Wednesday, January 23, 2008

يا وظايفك يا مصر !!

يا وظايفك يا مصر !!

جاءتني فرصة الاشتراك في مؤتمرين للتوظيف خلال شهر واحد تقريبا . بالنسبة لي فقد اشتركت في مثل هذه المؤتمرات الخاصة بالتوظيف أكثر من مرة ومنذ حوالي خمس سنوات : مؤتمر توظيف كلية الاقتصاد والعلوم السياسية السنوي منذ عامه الأول ، مؤتمر توظيف كلية التجارة ، مؤتمر توظيف جامعة القاهرة والجامعة الأمريكية والمدرسة الألمانية وغرفة التجارة الأمريكية ومؤتمر التوظيف الذي نظمته الشركات الفرانكفونية ....
لكن في كل هذه المؤتمرات السالف ذكرها كنت في موقف "الباحث عن وظيفة" و سلكت سلم التجربة والخطأ من أوله ، فمثلا لأول مرة ذهبت بدون "سي في" أو السيرة الذاتية ، المرة التي تلتها أخذت معي عدد غير كافي كذلك لم يكن معي أي صور ضوئية ، المرة التي تلتها عرفت القصة وما فيها فذهبت و أنا مستعدة بأوراقي كاملة وأكثر من نسخة ولكن غير مستعدة للأسف لعمل مقابلة سريعة والمرة الاخيرة التي ارتدت فيها هذه المؤتمرات كنت فعلا كاملة الاستعداد ولكن حينها قررت أني لن أذهب أبدا مرة أخري لأي مؤتمر توظيف . ولكن ما



الذي حدث جعلني أتخذ مثل هذا القرار؟
ببساطة قمت بعمل إحصائية بسيطة جدا ألا وهي إني حضرت أكثر من 10 مؤتمرات للتوظيف علي مدار حوالي خمس سنوات و في نفس الوقت لم أذهب إلي أي مقابلة في أي شركة من خلال هذه المؤتمرات .
لذلك قررت إني لن أضيع فيها وقتي وسوف أستقر في الوظيفة التي أشغلها مهما كانت بسيطة ومتواضعة مقارنة بطموحاتي ولكني سأشتغل علي نفسي وأقوي قدراتي ومهاراتي .
ولكن هنا يأتي السؤال : لماذا بدأت المقال بذكر ذهابي إلي مؤتمرين للتوظيف مرة واحدة واعتبار ذهابي فرصة كبيرة؟ لحسن الحظ هذين المؤتمرين كانا مختلفين تمام الاختلاف ، فقد ذهبت هناك وأنا "عارضة" وليس "باحثة" عن فرصة عمل فقد ذهبت ضمن الشركات المشتركة في هذا الملتقي والمفروض أنها تبحث عن كوادر بشرية تقوم بتوظيفها واستغلال كفاءتها كذلك تطويرها . كذلك ليس ضمن أي شركة والسلام ولكن شركة من أكبر الشركات العالمية وهي الراعي الذهبي لمؤتمري التوظيف . أنها الشركة التي استطعت مؤخرا أن أحصل فيها علي وظيفة ملائمة بعد أن ظللت في مرحلة البحث لمدة خمس سنوات تنقلت فيها بين ثلاث وظائف، حضرت أكثر من 10 ملتقيات للتوظيف ، أجريت أكثر من 42 مقابلة في شركات وبنوك ووزارات وهيئات مصر المختلفة .

وخلال هذاه التجربة الأخيرة ظهرت المفاجآت واحدة تلو الأخري :
أول مفاجأة كانت أن الشركة التي أعمل بها وترعي المؤتمر " الراعي الذهبي إذا سمحتوا" وتحضر المؤتمر في جناح ضخم جدا يشد كل الحاضرين له كان من باب الدعاية للشركة ، المفاجأة الثانية أننا نهمل تماما النسخ الورقية من السيرة الذاتية ولن أقول نرميها في درج أو مخزن ولكننا لا نهتم بها وفي بعض الأحيان قد لا نرجع إليها علي الإطلاق ، المفاجأة الحقيقة وهي الأخيرة كانت رؤيتي للباحثين عن عمل من منظور الشركة العارضة وعندئذ تذكرت نفسي من خمس سنوات بالضبط ، وفي هذه اللحظة فقط شعرت أن لي دور مهم ، ليس الدور التقليدي وهو أن أكون مجرد واجهة للشركة ، استلام النسخة الورقية من السيرة الذاتية ، مساعدة الباحثين عن عمل علي كتابة عنوان البريد الإلكتروني للشركة بطريقة سليمة ، دوري الآن هو دوري التاريخي ( توصيف أضخم من الحدث ولكنني أتحدث عن تاريخي أنا ، لازال التوصيف ضخم فأنا لم أعمل شيئا أصلا لكي أتحدث عن تاريخ) المراد قوله يعني أني في تلك اللحظة شعرت أن لي دور ، عرفته و أديته الحمد لله .
ولكن في البداية أحب أن أعرفكم بالباحثين عن وظيفة ، من هم ، شكلهم إيه وبموضوعية وبصراحة لأنني كنت منهم فمتعاطفة معهم جدا ولكنني الآن لست منهم وبالتالي لدي القدرة علي وصفهم بموضوعية .
أغلب الباحثين عن عمل حديثي التخرج تخصصاتهم مختلفة ولكنها تخصصات غير مطلوبة بتاتا في سوق العمل ، مهاراتهم أحادية غير متنوعة بالمرة ولو متنوعة تكون عبارة عن قشور وسطحية للغاية لا تزيد عن معرفة اسم الكورس الذي درسوه فقط لاغير. هناك آخرين غير حديثي التخرج ولكن ليس لديهم أي خبرة في سوق العمل حيث أنهم ظلوا متمسكين بتخصصهم أو رافضين لأي عمل ولو بسيط وبالتالي سنوات البطالة امتدت بهم لأكثر من ثلاث أو أربع سنوات بعد التخرج وبالتالي نسوا مهاراتهم وتخصصاتهم من ناحية ولم يتعلموا أي خبرات جديدة ولا دخلوا أي تجربة جديدة ولو تعلموا شيء جديد يكون غير مطلوب في سوق العمل .
وقد كانت هذه هي المفاجأة الحقيقية بالنسبة لي ، الفجوة الشاسعة بين الخريجين وسوق العمل من ناحية وبين المهارات التي تقدمها الجامعة للخريجين ومتطلبات سوق العمل من ناحية أخري .
وكانت هذه هي الرسالة الواضحة التي حاولت أن أوصلها لكل الذين قابلتهم في هذين الملتقيين فقد كانوا كلهم موجودين ، راغبين في فرصة عمل حقيقية ، مركزين ، ويريدون أن يسمعوا ما عندي ، وقد قلت لهم ببساطة: انسوا تخصصاتكم لفترة ما ، حيث أن سوق العمل يحتاج إلي مجموعة من المهارات البسيطة ولكن بمستوي قوي وعميق ، اتقنوا لغتكم العربية وأي لغتين أجنبيتين ، تحدثوا بهم بطلاقة، اتقنوا التطبيقات المكتبية للحاسب الآلي ، اتقنوا كيفية البحث المتعمق علي الإنترنت ، اتقنوا فنون التعامل والاتصال بالآخرين ، هذه هي متطلبات سوق العمل الحقيقية وهذه المهارات كلها لا تحتاج إلي كورسات مكلفة أو تشترط تخصص معين أو حتي خلفية دراسية معينة ولكنها تحتاج في الواقع إلي وعي بأهميتها ، الشغل الدؤوب عليها ، استخدام كل الوسائط التعليمية من شرائط كاسيت إلي برامج تعليمية يمكن تحميلها مجانا من الانترنت إلي القراءة والتعليم الذاتي أو حتي كورسات أونلاين مجانية ( هل تعلم إن صلاح أبو سيف المخرج المصري العبقري أتقن اللغة الإنجليزية والفرنسية ويتحدثهم بطلاقة بسبب شغفه بفن السينما منذ صغره وقراءته كل المجلات الأجنبية المتخصصة في السينما ومتابعته للأفلام العالمية) .
إذا تم إضافة سنوات خبرة في أي عمل مهما كان بسيط وليس له علاقة بتخصصك ولكنه سيعاونك بلا شك علي تعلم مهارة اتقان فنون الاتصال والتعامل المهني مع الآخرين .
إذا سلك كل الخريجين الجدد والعاطلين عن العمل كل هذه الدروب ، أنا متأكدة أنه هناك مكان شاغر في وظيفة ملائمة في انتظاره والرزق بيد الله أولا وأخيرا ولكن السعي "في الطريق الصحيح" فرض واجب .
هذا المؤتمر الخاص بالتوظيف ليس إلا ملتقي ، عملية مقابلة بين الجانبين لتنشيط الوعي لدي الباحثين عن عمل وعمل دعاية ملائمة للشركات المشتركة .
الباحث عن وظيفة ولديه المهارات الأربعة التي ذكرتها لا يحتاج لمؤتمر توظيف حتي يعمل ، فقط إذا دخل علي مواقع هذه الشركات عن طريق الإنترنت ووضع سيرته الذاتية في الموقع المخصص لذلك careers في أغلب الأحيان فإن الشركة هي التي ستسعي وراءه وتطلبه بالاسم .
إننا في عالم كما قال "توماس فريدمان" - الكاتب الأمريكي في نيويورك تايمز - الفاعل الرئيسي فيه ليس الدول أو الشركات كما سبق في القرون الماضية ولكن الفاعل الرئيسي فيه هو الفرد " اشتغل علي نفسك بكل الطرق الممكنة وأبسطها متاح " ستكون قوة ومؤسسة في ذاتك .
هنا إذا تظهر مشكلة غريبة قليلا علي البعض منكم ولكنها موجودة في بلدنا بصورة مدهشة نظرا للتناقضات الغريبة في مجتمعنا وعدم الاستغلال الأمثل للموارد الموجودة فيه ......سنتكلم عنها في المقال القادم إن شاء الله .